1- أنا أُفكِّر؛ إذن أنا موجود (ديكارت )

تحدّثنا سابقًا عن (أفلاطون ) هذا الفيلسوف اليوناني الشهير رائد الحركة المناشدة للعقل والمعادية للقلب في تاريخ الفلسفة، حيث تدور فلسفته حول إعمال العقل للوصول إلى السمو الفكري.

وبعد قرون من الزمن، يأتي (رينيه ديكارت ) ليُكمل مشوار أفلاطون بعبارته الشهيرة : " أنا أفكر؛ إذن أنا موجود".

وُلد في فرنسا (1596-1650م )، درس الفلسفة اليونانية القديمة وعلوم الرياضيات التي أظهر نبوغًا غير عادي فيها؛ فلقد استهوته شفافية ويقين ونقاء الأرقام، التي شعر وعلى الرغم من بساطتها أنها تختزل أكثر الأمور تعقيدًا وتملك القدرة على إثبات وتأكيد حقيقتها بسهولة، فلا يمكن أن يكون هناك صعوبة في إقناع أي شخص مثلًا بأن "الخط المستقيم هو أقصر الطرق بين نقطتين ".

وكان هذا العشق في الحقيقة وراء اختراعه علم "الهندسة التحليلية"، وهو أيضًا الذي توصّل للرسم البياني الذي ما زلنا نستخدمه حتى الآن.

كما يُعتبر من أهم رواد العقلانية في القرن السابع عشر، ولكن يؤخَذ عليه اهتمامه الزائد بالعقل على حساب الجسد، والتقليل من شأن الحواس، وهو ما يُعرَف بـِِِِِ (الثنائية الديكارتية ). وبالرغم من ذلك، كان لـ (ديكارت ) السبق في محاولة فهم "طبيعة المُخ " ، وهو أول من توصّل إلى أن المخ يعمل عن طريق استقبال إشارات من باقي الحواس، وكان مقتنعًا بأن المخ يُمكن أن يتم خداعه إذا اعتمد على الإدارك الحسّي فقط، ولهذا أعطى العقل الكلمة الأخيرة للتوصُّل إلى الحقيقة على أسس منطقية.

ويمكن تلخيص مبادئ الفلسفة الديكارتية في النقاط الآتية:

- التفكير أو إعمال العقل هو روح الوجود.

- لا بُد أن يتبع التفكير الأسلوب العلمي المبني على المنطق.

- الإنسان كائن ثنائي مُكوَّن من جسد وعقل (روح ).

- العقل يسكن منطقة في الدماغ، وهي المسئولة عن إدارة وتحريك الجسد.

- الكمال يستدعي من الإنسان الإصرار على التغلُّب على ضعف الذات، وعدم التواكل على الحظ أو النصيب.

"أعرف أنني مجرد مادة ليس لها ماهيّة سوى التفكير، التفكير هو أنا، هو الروح التي بها أكون. حتى إن لم يكن لي جسد، فلن أتوقف عن كوني موجودًا، لأنني ما زلت أُفكِّر " . هكذا تحدّث (ديكارت ) عن الإنسان.

2- أنا .. والإنسان داخلي (سبينوزا )

لم يختلف (سبينوزا ) عن كثير من الفلاسفة الذين جاءوا قبله؛ فلقد كان شديد الولع بعلوم مختلفة خاصة علم الرياضيات، هذا غير المنطق والفلك وعلوم البصريات، وحاول تسخير كل هذه العلوم بشكل تكاملي ليخلق منها نسيجًا فكريًا متجانسًا ومُتكامِلًا.

وُلد في (أمستردام ) من أسرة إسبانية - برتغالية تعود جذورها إلى يهود أسبانيا الشرقيين الذين عُرفوا بشدة التَزَمُت، والالتزام بالتعاليم اليهودية الصارمة.

وأهم ما يُميّز فلسفة (سبينوزا ) هو اهتمامه الكبير بالبعد الأخلاقي في الفلسفة، ويُعد كتابه ( أخلاقيات ) – الذي وصفه البعض بـِِِِِأنه كتاب في (الهندسة الأخلاقية ) - من أهم الكتب على مر العصور، وفيه قدّم تفسيرًا وتحليلًا للنصوص الدينية اليهودية "التوراة " و "العهد القديم " يأخذ في الاعتبار الإطار التاريخي للنص، وأبعاده الفلسفية والكونية. وأيضًا في هذا الكتاب يرسم صورة لمجتمع إنساني يحترم العلم والمنطق، وتحكمه سياسة أخلاقية؛ فالمحور الرئيسي الذي تدور حوله فلسفة (سبينوزا ) هو: "الإيمان بأن أي اختلاف بين البشر ما هو إلا اختلاف في الشكل، ويبقى الجوهر الإنساني دائمًا واحدًا في كل البشر ".

وقد كان (سبينوزا ) على دراية كبيرة بـِِِِِ (ديكارت ) وآرائه الفلسفية، ولكن على الرغم من إعجابه به وبآرائه الفلسفية، إلا أنه اختلف معه في مسألة الفصل بين (المادة ) و(الروح )، أو (الجسد ) و(العقل ). مما جعل (سبينوزا ) يخلق علاقة تبادلية بين المادي واللا مادي أو العقلاني والجسدي؛ حيث رأى أن الوجود الكلي في صورته كنجوم وكواكب هو نفس الوجود الذي لا نراه، وأن كليهما تعبير عن نفس الشيء، أي أن (الواحد في الكل ) و(الكل في الواحد ) ، وأن الإنسان جسدًا كان أو روحًا هو نفس الشخص؛ فالجسد البشري ما هو إلا صورة مرئية وملموسة لعقل وروح هذا الشخص. وبالتالي فإنه من الممكن للإنسان أن يُصبح أكثر إنسانية إذا فتّش فقط عن الإنسان في داخله واستطاع أن يُوجِد هذا الالتحام بين جانبي وجوده الروحي والجسدي.

3- أنا اتعلّم .. إذن أنا موجود ( جون لوك )

4- أنا والآخر والوطن (فولتير، وديدرو، وروسو )

5- الإنسان الحُر هو من يملك الإرادة (كانت )